کد مطلب:240901
شنبه 1 فروردين 1394
آمار بازدید:211
الام البرة بالولد الصغیر
فی روایة الشیخ الكلینی المرفوعة عن الرضا علیه السلام المشتملة علی خصائص الإمامة و الإمام فیها: «الإمام الأنیس الرفیق، و الوالد الشفیق، و الأخ الشقیق، و الأم البرة بالولد الصغیر...». [1] .
تكلمنا عن «الإمام الأنیس الرفیق...». [2] .
قوله علیه السلام: و «الأم البرة بالولد الصغیر» یضرب المثل بالأم فی بلوغ المحبة إلی غایتها فإنها تملك من أعلی مراتبها و أشدها، فإذا أرید بیان أقصی مراتب العلقة ضرب بالأم المثل و علقتها بولدها الصغیر و لولا هذه العلقة القلبیة منها لمنا كبرو لاترعرع فتجدها تسهر لیلها و تصرف عمرها فی مدة رضاعه إلی أن یكبر بعد تحملها أیام حمله للمصاعب و المتاعب مسرورة بالحمل له مستبشرة به فی أشهرها التسعة و یوم وضعه و رضعه و فطامه فلو أن الولد بعد أن كبرقام بجمیع ما یهمها إلی آخر أیام حیاتها لما أدی من أقل الواجب علیه.
و إن حق الأم أعظم من الأب ففی صادقی: «جاء رجل إلی النبی صلی الله علیه و آله فقال یا رسول الله من أبر؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك». [3] .
و عن إبراهیم بن مهزم قال «خرجت من عند أبی عبدالله علیه السلام لیلة ممسیأ فأتیت منزلی بالمدینة و كانت أمی معی فوقع بینی و بینها كلام فأغلظت لها، فلما أن كان من الغد صلیت الغداة و أتیت أباعبدالله علیه السلام فلما دخلت علیه قال مبتدئا: یا مهزم مالك و لخالدة [4] أغلظت فی كلامها البارحة؟ أما علمت أن بطنها منزل قد سكنته، و أن حجرها مهد قد غمزته، وثدیها و عاء قد شربته؟ قال قلت: بلی قال فلا
[ صفحه 101]
لغلظ لها». [5] .
و فی حدیث سجادی: «فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حیث لایحمل أحد حدا، و أطعمتك من ثمرة قلبها ما لایطعم أحد أحدا، و أنها وقتك بسمعها و بصرها ویدها و رجلها و شعرها و بشرها و جمیع جوارحها مستبشرة بذلك فرحة موبلة [6] محتملة لمافیه مكروهها و ألمه و ثقله و غمه [7] حتی دفعتها عنك ید القدرة و أخرجتك إلی الأرض فرضیت أن تشبع و تجوع هی، و تكسوك و تعری، و ترویك و تظمأ و تظلك و تضحی و تنعمك ببؤسها و تلذذك بالنوم بأرقها و كان بطنها لك وعاء، و حجرها لك حواء، وثدیها لك سقاء، و نفسها لك وقاء، تباشر حر الدنیا و بردها لك و دونك فتشكرها علی قدر ذلك، و لاتقدر علیه إلا بعون الله و توفیقه». [8] .
تمثیل الإمام بالأم و أنه الوالدة البرة بولدها ناظر إلی الجهة المشتركة بینه و بینها و هی العلقة الشدیدة الكائنة بینهما التی أوجبت البر بالولد و أن الأمة المرحومة بأجمعها بل الناس بأسرهم هم أولاد الإمام المعصوم فی كل زمان و هم عیال علیه مأمور من قبل الله جل و جلاله أن یرعاهم و یأخذ بأیدیهم إلی الجنة و هذا شأن كل نبی و وصی نبی علیهماالسلام بقاعدة اللطف الإلهی من دلالة الخلق إلی التوحید و الدین الخالص، إن الله خلق الخلق للعبادة كما قال عزوجل: «و ما خلقت الجن و الانس إلا لیعبدون». [9] .
و اللعم بأنه تعالی قدیر محیط لقوله جل جلاله:«خلق سبع سموات و من الأرض مثلهن یتنزل الأمر بینهن لتعلموا أن الله علی كل شی ء قدیر و أن الله قد أحاط بكل شی ء علما»، [10] أی إنما خلق الله تعالی العالم و بنی آدم لیعلموا قدرته المطلقة و إحاطته تعالی بكل شی ء و یعبدوه.
و من الواضح أن الله عزوجل یرید أن یعبد كما یرید و بما یرید لاكما یرید العبد و بما یریده، و أن یعلم كما یشاؤه و بما یشاؤه لاكما نشاء و بما نشاء و علیه فلا بد من
[ صفحه 102]
رسول مبلغ عنه تعالی فی جمیع ذلك و وصی یقوم مقامه كذلك و هو الإمام المعصوم و من أهم أسباب التبلیغ الرفق فإن العنف عائق عن الوصو ل مفرق بین الرسول و المرسل إلیه.
و من هنا وجب أن یكون فی الرحمة و العلقة كالأم الحنونة البرة بولدها حتی یكبر، و لئلا یلزم من ترك ذلك نقض الغرض الغرض الأعلی و قد جاء التمثیل فی نفس الرضوی أنه «الأنیس الرفیق، و الوالد الشقیق، و الأخ الشقیق» [11] كل ذلك دلیل قاطع و برهان ساطع علی ما قلناه فی كیفیة التبلیغ النافع صونا لنقض الغرض الأمثل كما ورد أن النبی و علیا صلی الله علیهما و سلم أبوا هذه الأمة للسر نفسه؛ ففی حدیث نبوی: «... یا علی أنا و أنت أبوا هذه الأمة». [12] و هی الأبوة الروحیة التی هی أعلی درجة من الأبوة الجسمیة و أشرف منها بل و لولاها لما كانت الثانیة فی عالم الوجود ذات أثر مطلوب.
[ صفحه 103]
[1] أصول الكافي 200:1.
[2] حرف الهمزة مع الميم.
[3] البحار 83:74.
[4] اسم أم أبي مهزم.
[5] البحار 76:74.
[6] من الوبيل ضد الطري مجمع البحرين في (وبل).
[7] لعل الصحيح «و ألمها و ثقلها و غمها» ليعود الضمير إلي الام، و يحتمل عود الضمير إلي «لمافيه» ليكون عطف هذه الأمور علي «مكروهها». أي دفعت أمك عنك الشي ء المؤلم و الثقل و الغم.
[8] البحار 15:74. أمالي الصدوق 332، و الوسائل 135:11 مع اختلاف يسير في الأخيرين.
[9] الذاريات: 56.
[10] الطلاق: 12.
[11] حرف الهمزة مع الميم.
[12] أمالي الصدوق 587.